نضوج الشركات الناشئة
2022/05/12
أنواع الشركات ومراحل نموها
كحال البشر، تمر الشركات بمراحل نمو تبدأ من الطفولة، والمراهقة إلى النضج والكهولة. تختلف هذه المراحل بحسب نوع الشركات ونماذج عملها. دعنا نتعرف على أنواع الشركات وما هي المراحل التي تمر بها قبل نضوجها.
تختلف الشركات بحسب نماذج عملها. ولتسهيل عملية تصنيف الشركات، لنضع قواعد لهذا التصنيف. هذه القواعد هي: مستوى الابتكار في نموذج عمل الشركة، وعلى مصدر توليد القيمة في الشركة. معرفة موقع شركتك ضمن هذا التصنيف، سيساعدك في رسم خطة بناء الشركة، وكذلك تحديد شريحة المستثمرين الذين يمكنهم فهم مشروعك وتقبله في المرحلة التي يمر بها.
أنواع الشركات
في مستوى الابتكار ستنظر ما إذا كان نموذج عمل الشركة أو الأفكار التي تتولد من نشاطها مبتكرة وجديدة، أو إذا كانت تقليدية ومكررة. لاحظ أننا عندما نصنف هنا، سنعتمد بشكل كبير على المقارنة على ما يحدث في السوق الذي تعمل فيه الشركة أولاً، ثم نبحدث عن النظائر في الأسواق الأخرى. بمعنى آخر لو كان مشروعك لتصنيع سيارات في السعودية، فإن هذا المشروع يعد إبتكاريًا، ولكنك لو رغبت إطلاق ذات المشروع في دولة مثل ألمانيا أو أمريكا، فقد لا يعد هذا المشروع مبتكرًا. وعلى العكس من ذلك، لو فكرت في إنشاء مصنع لإنتاج التمور في السعودية فهذا لن يعد مشروع ابتكاري، ولكنه سيكون مبتكرًا لو ذهبت لدولة في وسط أوربا مثلاً. ويمكنك توقع سبب ذلك، فكلما زادت المعرفة في السوق الذي ستعمل فيه، يمكنك معرفة الأنظمة والقوانين والوصول للخبراء والشركاء بسهولة. بالتالي يمكننا القول أيضًا، أن الفكرة سيقل مستوى الإبتكار فيها كلما أطلقت مشاريع جديدة تعمل عليها. وهنا فكر في مستوى الإبتكار الذي يمكنك أن تصف به مشاريع التجارة الإلكترونية في السعودية قبل عشر سنوات، وقارنها باليوم.
القاعدة الثانية للتصنيف هي مصدر توليد القيمة في القيمة في الشركة. بعض الأفكار أو المشاريع تعتمد على العامل البشري في توليد القيمة، والبعض الآخر يعتمد على الآلة أو الأنظمة في توليدها. الشركات التي تعتمد على العنصر البشري في الغالب من الصعب تضخيم حجمها، وكذلك لإعتمادها على المهارات الشخصية، من الصعب التحكم في مستوى الجودة والمحافظة عليه. هذا بالإختلاف مع الآلات والأنظمة والتي قد تكون عملية بناءها أو تجهيزها صعبة، ولكن بمجرد أن تبدأ بالعمل سيكون من السهل المحافظة على مستوى الجودة وكذلك زيادة الطاقة الاستيعابية وتكرار آليات العمل بأشكال أخرى لتحقيق عوائد وأرباح إضافية.
بالتالي يمكننا تصنيف الشركات كما هو موضح في الشكل التالي:
مراحل نضوج الشركات
نقصد بنضوج الشركة تحول نموذج عملها ومستقبلها من الغموض إلى الوضوح. الشركة ومستقبلها يكونان في قمة الغموض وقت ما كانت فكرة، وتصل إلى مرحلة النضوج الكامل عندما تكون ثقة إدارة الشركة في التوقعات المالية في قمتها. أي أن معظم الناس لن يختلفوا على التوقعات، وإن اختلفوا فإن الإختلاف سيكون غير جوهري. بمعنى عندما تكون التوقعات بالنمو بنسبة 10٪ للسنة القادمة، يتفق الغالب مع هذه النسبة ومعظم من يختلف سيكون الاختلاف فيما إذا سيكون النمو 5٪ أو 15٪. الغموض يعني أن الغالب لن يستوعب كيفية نمو الشركة، والمستوعبين سيختلفون بين نسبة نمو بين 30٪ وخسارة عملاء بنسبة 50٪. ينضج كل نوع من الأنواع الأربعة بطريقة مختلفة، استيعاب النضوج وما يعنيه يساعد في تحديد آلية ونوع التمويل الأنسب للشركة.
بشكل عام ينقسم الممولين إلى قسمين رئيسين: الممولين بالقروض، وهؤلاء يبحثون عن المشاريع الناضجة ذات المخاطر القليلة لتمويلها خلال مراحل التوسع. تكلفة القرض أقل على الشركة، لأن الممول سيحصل على رأس ماله والفوائد فقط. بعكس القسم الثاني، والذين يسعون لتمويل المشاريع التي لم تصل مراحل النضج، ويشوبها بعض الغموض. هؤلاء يستثمرون في الشركة، لإيمانهم بالفكرة. وتوقعهم بأن تحقق الفكرة سيولد لهم عوائد مالية عالية. وهذا القسم (المستثمرين) ينقسمون إلى عدة أقسام تتحد بمستوى تقبلهم للمخاطر: فهناك من سيقبل بالاستثمار وقت الفكرة، وآخرون لن يقبلوا بالاستثمار إلا قبل نضوج الشركة بمرحلة أو مرحلتين.
شركات المهارات التقليدية
هذا النوع من المشاريع يعتمد بشكل رئيسي على مهارات فنية يمتلكها المؤسس أو أحد المؤسسين. أي أن الشركة تقوم ببيع المهارة أو الناتج من تلك المهارة الشخصية للعملاء. قد تكون هذه المهارة عقلية أو حرفية. مثلاً، من المهارات العقلية: الخدمات المالية، الاستشارات القانونية، التخطيط والاستشارات الإدارية. ومن الأمثلة على المهارات الحرفية: الطبخ، المكانيكا، التصميم. لاحظ أن الحديث هنا عن مهارات وحرف تقليدية، معروفة ومنظمة قانونيًا. بالتالي يسهل على المالك رؤية التجارب المشابهة في السوق، والتعلم منها لتقديم منتج افضل أو يغطي شريحة غير مخدومة في السوق. دخول السوق هنا ليس صعبًا ولكن المنافسة والتميز فيه صعبة.
ولأن المشروع يعتمد بشكل رئيسي على مهارات المالك، فإنه في الغالب لن يحتاج للتمويل في مرحلة بناء المهارة أو في مرحلة الحصول على العملاء. يمكن للمؤسس تجربة المشروع واختباره على نطاق ضيق للتحقق من نقاط قوته وافتراضاته التي وضعها. وحين يقتنع فإنه يستطيع الوصول للممولين الذي سيدخلون معه في مرحلة التوسع. طبعًا مع ملاحظة بأنه يستطيع بناء شراكات أو اتحادات مع آخرين يقدمون خدمة شبيهة أو مكملة لخدمته في مراحل مبكرة، إن كان هذا ما يخطط له.
شركات المهارات المبتكرة
في مشاريع المهارات المبتكرة، الأمر لا يختلف كثيرًا عن المهارات التقليدية، فالمشروع سينضج بشكل خطي. من الأمثلة على هذه المشاريع: أمن المعلومات، تحليل البيانات الضخمة، تقنيات بناء المنازل، التصميم الداخلي. هناك عناصر للمخاطرة متعلقة بحاجة السوق للخدمة المقدمة، ومدى تقبل العملاء لها. فأحيانًا قد ترى بأن خدمتك ضرورية وأن السوق بحاجة لها، ولكن عند دخولك للسوق، تكتشف بأن لا أحد يهتم أو لا أحد يستوعب الحاجة. أيضًا من المخاطر حاجتك لأن تبقى بالصدارة، وتطور نفسك بإستمرار. في حالة السوق التقليدي، عملية التعلم هذه تتم على مستوى السوق. فالشركات تتعلم من بعضها البعض، في حالة مشروعك ولكونه ابتكاري فإنك ستحتاج لأن تقوم بعملية التعلم هذه لوحدك. أضف لذلك، أن جزء من عملية التعلم تلك، بناء المهارات والكفاءات في السوق. سيصعب عليك تدريب الموظفين الجدد لمساعدتك في عملك، وبعض هؤلاء قد يغادر شركتك بعد فترة ليبدأ هو مشروعه الخاص أو ينظم لمنافس لك.
كحال مشاريع المهارات التقليدية، اعتماد هذا النوع من المشاريع على مهارات المالك، يعني بأنك لن تحتاج للتمويل في المراحل المبكرة. فيمكنك بناء الخبرة والمعرفة بشكل شخصي خلال عملك. وكذلك تستطيع البدء بالاختبارات قبل اطلاق المشروع للتحقق من وجود الاحتياج وحجمه. ومتى ما تأكدت من ذلك قد تحتاج للتمويل الذي قد يأتي على هيئة شراكة مع شركة تقليدية تقدم خدمة مكملة لخدمتك، أو استثمار من طرف آخر أو قرض شخصي تحصل عليه.
شركات الأصول التقليدية
شركات الأصول التقليدية، تعتمد على الأصول لتوليد القيمة التي تبيعها الشركة للعملاء. تأخذ هذه الأصول أشكالاً متعددة: المعدات كما هو الحال في المصانع، أو المرافق والعقارات كما هو حال الفنادق، أو البرامج التقنية كما هو الحال في الشركات التقنية. ولأن المشروع تقليدي، فإن المالك تتوفر لديه كمية من المعلومات، تمكنه من تبرير مشروعه وإقناع الأطراف الخارجية بجدواه. التحدي الأساسي هنا سيكون بقدرة المالك على تنفيذ العمل. لذلك يمكننا اعتبار أن مشروع الأصول التقليدية يمر بثلاثة مراحل رئيسية: مرحلة الفكرة، ثم مرحلة المنتج الأولي، ثم مرحلة الإطلاق. كل مرحلة تأتي بتحدياتها المختلفة. ففي مرحلة الفكرة، يحتاج المؤسس لإثبات فهمه للسوق، ومعرفته بعناصره ورؤيته للثغرات وفرص النمو من خلال تقديم قيمة غير متوفرة في السوق حاليًا. أما في مرحلة المنتج الأولي ففيها يحتاج المؤسس لأن يقدم منتجًا ملموسًا وقابلاً للاختبار والفحص، وأيضًا يحتاج لأن يبني فريقًا مميزاً وقويًا يتناسب مع طموحات المؤسس وفكرته. أما في المرحلة الأخير، فإن التحدي سيكون تشغيليًا وإدارياً بشكل رئيسي، وفيه يحتاج المؤسس لأن يثبت أنه قادر على إدارة الشركة وتنفيذ خططها ومواجهة أي مخاطر تأتي في طريقه.
منطقيًا تمويل هذا النوع من المشاريع يفضل أن لا يبدأ قبل مرحلة المنتج الأولي. فقبلها كافة الأعمال إدارية وبحثية، يستطيع المؤسس إنجازها أو الاستعادة بأصدقاء لتجهيزها. ولأن المخاطرة صعبة في هذه المرحلة سيكون من المكلف جدًا على المالك تمويل هذه المرحلة. خصوصًأ وأنه يبدأ وهو لا يعلم ما إذا كان سيكمل الطريق أو لا. فهو يبدأ البحث ليتحقق من جدوى الفكرة، ولا يقوم بالبحث وهو يعلم بأن الفكرة صحيحة وقابلة للتطبيق. دخول الممول في الغالب يعني أن الفكرة سيتم تطبيقها.
شركات الأصول المبتكرة
أخيرًأ مشاريع الأصول الإبتكارية تمر بدورة نضوج مختلفة. فلكون الأصول مكلفة من جهة، ولأن المؤسس لا يعلم ما إذا كانت فكرته ستنجح أما لاً. فإنه عادة ما يتم تقسيم المشروع إلى أجزاء صغيرة، يتم إطلاقها على مراحل. تبدأ من مرحلة المنتج الأولي البسيط، الذي يتم التعديل عليه بعد إطلاقه ونجاحه ليضاف عليه جزء آخر، وعندما يحقق النجاح، يطلق منتج صغير ثالث وهكذا. حتى تكتمل أجراء المشروع. المؤسس يتعلم من التجربة، ولذلك مع إطلاق كل منتج تزداد خبرته، ومعها تقل فرص فشله. لذلك تسمع أن المستثمرين يفضلون رواد الأعمال الذين سبق لهم الفشل عدة مرات.
تمويل هذا النوع من المشاريع يتم على هيئة جولات استثمارية تصاحب كل إطلاق أو إطلاقات. فبعد أن يقوم المؤسس بتجهيز المنتج الأولي، يحصل على الاستثمار الأول ليطور المنتج الأولي ويطلق المنتج الثاني. ثم استثمار ليطلق المنتج الثالث والرابع، وهكذا. لحين وصول الشركة لمرحلة النضوج.
تنقسم مراحل الإستثمار الإبتكاري إلى مراحل تعرف بالجولات الإستثمارية، والقائمة التالية توضح تلك المراحل وخصائص كل مرحلة:
- مرحلة ما قبل البذرة (Pre-seed): تمتد من الفكرة ولحين بناء المنتج الأولي. وهذه المرحلة في الغالب ما يتم تمويلها من خلال المؤسسين، الأصدقاء والعائلة، الجهات المانحة والمستثمرين الملائكيين. تهدف هذه المرحلة على مساعدة دعم صاحب المشروع لتحويل فكرته إلى واقع ملموس، أو برنامج قابل للتجربة والإختبار.
- مرحلة البذرة (Seed): تأتي بعد تجهيز المنتج الأولي، وتهدف دعم اختبار المنتج الأولي وتحسينه. وذلك من خلال بناء المنتج النهائي، أو دراسة السوق، أو فهم الشريحة التي يستهدفها المنتج، أو بناء الفريق (غير المؤسسين). ممولي هذه المرحلة في الغالب هم المستثمرين الملائكيين ورؤوس المال الجرئ.
- مرحلة الجولة أ - التأسيس (Series A): بعد الوصول للمنتج النهائي، تهدف هذه المرحلة إلى اختبار توسع المنتج وتجربته على شرائح جديدة، ترتيب الشركة وتنظيم وهيكلة عملياتها. هذه المرحلة يتم تمويلها في الغالب من قبل رؤوس المال الجرئ.
- مرحلة الجولة ب - البناء (Series B): بوصول الشركة لهذه المرحلة فإنه يمكن القول بأنها بدأت التحول من شركة ناشئة إلى شركة ناضجة. تستهدف هذه المرحلة توسيع العمليات على مستوى إقليمي أو عالمي، بناء الفريق، والإستحواذات على شركات أخرى. ويشترك في تمويل هذه المرحلة رؤوس الأموال الجرئية والملكية الخاصة.
- مرحلة الجولة ج - النمو وما بعدها (Series C and beyond): الشركات التي تصل لهذه المرحلة، أثبتت أنها ناضجة. أهداف هذه المرحلة تجهيز الشركة للتحول إلى شركة ناضجة محكمة وقابلة للطرح العام أو توزيع أرباح. الأعمال التي تتم في هذه المراحل هي تكرار لما تم في الجولة ب، ولكن على مستوى أكبر وأوسع. تمول هذه المرحلة رؤس المال الجرئ والملكية الخاصة، وكلما تقدمت الشركة كلما زاد إهتمام الملكية الخاصة بها.