استحواذ امازون على سوق.كوم

2022/05/12

تفاصيل الصفقة وتحليل وتوقعات لما بعدها!

مقال نشرته عن خبر استحواذ امازون على سوق.كوم في تاريخ 28-3-2017م.

تصدر اليوم خبر استحواذ أمازون على سوق.كوم الصفحات الرئيسية للمواقع الإخبارية والتقنية. كيف لا، وسوق.كوم هي البكر والطفل المدلل للمشاريع التقنية العربية. فهي أول مشروع عربي يقيم بمليار دولار (فبراير 2016، Techcrunch)، وها هي ذي تترك بصمتها بأحد أكبر الإستحواذات في المنطقة. في هذا المقال سأحاول تلخيص أهم المراحل التي مرت بها سوق.كوم ثم سأسرد إستقرائي ورأيي حول هذه الصفقة. مع ملاحظة بأن التقرير سيعتمد على المعلومات المنشورة في المصادر الموثوقة وبالتالي قد تغيب بعض تفاصيل القصة، ولعلي أعود لاحقاً للإضافة متى ما تكشفت لنا المزيد من الأمور.

البداية من مكتوب وياهو!

مع توسع استخدام الإنترنت في المنطقة العربية، تأسست مكتوب في سنة 1998م في عمّان، الأردن كأول مقدم خدمة للبريد الإلكتروني باللغة العربية وأيضاً ونظراً لكون العديد من الأجهزة في تلك الفترة لا تدعم العربية، قدمت مكتوب لوحة المفاتيح العربية الإفتراضية. مكنت هذه اللوحة المستخدمين العرب استخدام الإنترنت والكتابة بالعربية دون الحاجة لتعريب الكمبيوتر. كما وطورت الشركة خلال العقد الأول من عمرها عدة منتجات شهيرة منها: تحدي، كاش يو، وسوق.كوم.

في يونيو 2005م استحوذت أبراج كابيتل على 40% من مكتوب (وكالة أنباء الإمارات) مقابل ما يقدر بأربعة ملايين دولار (ويكيبيديا). ثم وفي نهاية ديسمبر 2007م باعت حصتها إلى تايغر قلوبال مانجمنت (عربيان بزنس) بقيمة غير معلنة، ولكن التوقعات أنها بين 5 و 7 مليون دولار.

لاحقاً وفي سنة 2009م تم الإستحواذ على مكتوب من قبل ياهو بقيمة 164 مليون دولار (CIMA). وشمل الإستحواذ بريد مكتوب، واقسام مكتوب المتعلقة بالمحتوى (مكتوب الرياضة، مكتوب التدوين، أصحاب مكتوب وغيرها)، واستثني من الإستحواذ بعض الأقسام أو الشركات من مكتوب والتي تحولت لاحقاً إلى مجموعة جبّار، شملت هذه المجموعة الجديدة: سوق.كوم تأسست 2005م، كاش يو تأسست 2002م، لعبة تحدي تأسست 2008م، أيكو تأسست 2005م، ومحرك البحث عربي تأسس 2006م (ستارتب أب أرابيا). الجدير بالذكر بأن استحواذ ياهو استثنى معظم الفريق الإداري عملية الإستحواذ وبالتالي انتقل الفريق وكان على رأسهم سميح طوقان، رونالدو مشحور والمستثمر تايغر قلوبال مانجمنت إلى شركة جبّار.

الجدير بالذكر أنه وقبل استحواذ ياهو، مكتوب كانت تسمى "ياهو الشرق الأوسط" (كتاب Innovation in emerging markets). تلك الصفقة كانت أحد أول الصفقات العربية والتي ألهمت الكثير من رواد الأعمال العرب لبناء المشاريع طمعاً في بيعها على كبرى الشركات العالمية. ولكن البعض يرى أن ياهو لم تستفيد من الزيارات التي حصلت عليها من مكتوب لأن مصدر معظمها كان من المنتديات، والتي قامت قوقل بتعديل خوارزميتها لتفاديها نظراً لتكرار المحتوى وقلة مستواه. أيضاً يعتبر البعض أن عملية الإستحواذ كانت مجاملة سياسية أكثر من كونها عملية تجارية (أرب كرنش). في سنة 2015 قررت ياهو إيقاف عملياتها في منطقة الشرق الأوسط و إغلاق مكاتبها، ولكن لا يزال موقع مكتوب متاحاً للزوار (ويكيبديا).

دورة حياة سوق.كوم!

تحت إدارة مجموعة جبّار، إنطلقت سوق.كوم في سنة 2009م لتغزو منطقة الخليج ومصر وتوثق إسمها خلال الثمان سنوات القادمة لتكون أكبر سوق إلكتروني عربي، وتسوق لنفسها كـ "أمازون الشرق الأوسط". أهم المراحل التي مرت بها سوق.كوم قبل الإستحواذ عليها يمكن تلخيصها بالتالي:

  1. إنفصال الشركة عن مكتوب بعد إستحواذ ياهو عليه.
  2. تأسيس سكر ضمن مجموعة جبّار في سنة 2010م وثم إستحواذ سوق.كوم عليه في 2012م. وكانت هذه تمثل الذراع المنافس ل (MarkaVIP).
  3. الإستثمار في (Run2Sport) بقيمة 2.5 مليون دولار (2012 عرب نت) ومن إغلاقه أو دمجه ضمن المجموعة. وكانت هذه الشركة تمثل الذراع الرياضي لسوق.كوم.
  4. إقفال أول جولة استثمارية كسوق.كوم في أكتوبر 2012 (ومضة)، بدخول كل من نابستر لمتيد وتايغر قلوبال مانجمنت والتي كانت مستثمر سابق في مكتوب. تذكر بعض الإشاعات أن قيمة هذه الجولة كان حوالي 40 مليون دولار. أحد أهم أهداف هذه الجولة كان التوسع في السعودية ومصر، وتطوير شبكة الخدمات اللوجستية لتحسين الخدمة (ومضة).
  5. مجموعة جبّار تطلق في يونيو 2013 مشروعها الجديد (باي فورت) منبثق من (كاش يو)، ويحاول معالجة سلبيات الأخير. بالإضافة لجبّار اسثتمر في المشروع مع إطلاقة نابستر وتايغر قلوبال (ومضة). مع الإطلاقة ونظراً لكون المشروع يعتبر شقيق لسوق.كوم، يتخوف الكثير من أصحاب المتاجر الإلكترونية ومنافسي سوق.كوم من تسرب معلوماتهم وبياناتهم للشركة، باي فورت أكدت أنها تتمتع بإدارة مستقلة عن المجموعة. سوق.كوم باعت كاش يو لمستثمرين في ديسمبر 2015.
  6. في مارس 2014م، حصلت سوق.كوم على تمويل إضافي من نابستر لميتد قيمته 75 مليون دولار، على تقييم في حدود 400 مليون دولار (وب رازي). الهدف من هذه الجولة، حسب ماصرح به رونالدو مشحور، سيكون للتطوير التقني والموبايل، واضاف بأن جزء منها سيكون لإستقطاب الكفاءات وتحسين مستوى الخدمة.
  7. إقفال الجولة الإستثمارية الثانية في فبراير 2016م، بقيادة تايغر قلوبال ومشاركة: نابستر، ستاندر شارتيد، بيلي قيفورد وعدد من المستثمرين الآخرين (تيك كرنش). إجمالي قيمة الجولة كان 275 مليون دولار، وكانت بعض التقارير تشير بأن تقييم الشركة بلغ المليار دولار. أهداف الجولة كما ذكرها المؤسس، بأنها ستكون للتوسع من خلال إضافة أصناف منتجات جديدة، تطوير شبكة التوزيع اللوجستية، التطوير التقني وتوظيف الكفاءات.
  8. بعد إقفال الجولة الإستثمارية السابقة بأربعة أشهر وفي مقابلة مع رونالدو (عربيان بزنس)، تحدث عن الأهداف المستقبلية لسوق.كوم وكانت تتلخص في استهدافه لطرح الشركة في سوق المال، خلال سنتين، وذلك بعد إقفاله لجولة استثمارية بحجم جيد.
  9. سوق.كوم تستثمر في (ونق) تطبيق للمقارنة بين أسعار شركات الشحن في الإمارات (انتربنور اغسطس 2016).
  10. نبستر وتايغر يبدون رغبتهم ببيع جزء من حصتهم في سوق.كوم والتي تقدر ب 30%، وكما اتضح لاحقاً بأنه تم تعيين قولدمان ساكس لإيجاد المستثمر (ارابيان بزنس سبتمر 2016).
  11. سوق.كوم تستثمر في (انستاشوب) تطبيق لبيع منتجات البقالة في دبي (انتربنور اكتوبر 2016).
  12. 3 نوفمبر 2016، أمازون تعلن عن اهتمامها لشراء حصة في سوق.كوم (بلومبرغ).
  13. 13 نوفمبر 2016، رئيس مجلس إدارة إعمار محمد العبّار يعلن عن موعد إطلاق منصة نون في بداية يناير 2017. ليدخل في منافسة مباشرة مع سوق.كوم بميزانية قدرها مليار دولار سيساهم في صندوق الإستثمارات العامة السعودي بنسبة 50% (تيك فيو).
  14. 14 نوفمبر 2016، سوق.كوم تدخل قطاع منتجات البقالة (تيك فيو).
  15. أمازون تعلن ايقاف المفاوضات والإنسحاب من صفقة شراء 30% بتقييم المليار دولار لسوق.كوم في 18 يناير 2017 (أرابيان بزنس).
  16. سوق.كوم تعلن عن إتفاقية مع حكومة الإمارات للتشجيع على القراءة وإطلاق منصة لبيع الكتب ضمن سوق تحتوي على أكثر من 6 ملايين كتاب (أربيان بزنس 3 مارس 2017).
  17. بلومبرق تنشر مقالة تزعم بأنه ووفقاً لمصادرها الخاصة، أمازون تعاود المفاوضة للإستحواذ على سوق.كوم بقيمة 650 مليون دولار (9 مارس 2017).
  18. 26 مارس 2017م إعمار تتقدم بعرض لشراء سوق.كوم بقيمة 800 مليون دولار (بلومبرق).
  19. 28 مارس 2017م عدة مصادر تؤكد على وصول أمازون وسوق.كوم لإتفاق دون إفصاح للقيمة والتي يتوقع بأنها تتراوح بين 580 و 750 مليون دولار (تيك كرنش، فينتشر بيت).

من الرابح في هذه الصفقة؟

يتضح من التسلسل الزمني بأن العرض في البداية كان أن تشتري أمازون حصة 30% بما يقيم الشركة بمبلغ مليار دولار، وهذا هو التقييم الذي حدد في الجولة الإستثمارية الأخيرة. أي أن أمازون كانت تتفاوض لشراء 30% من الشركة بقيمة 300 مليون دولار تقريباً، ولكنها انتهت بشراء 100% بقيمة تتراوح بين 580 و 750 مليون دولار. وهذا تخفيض ممتاز على العرض. ولكن ماذا عن القيمة الفعلية للشركة؟ خلال عمر سوق.كوم تم ضخ مبالغ نقدية مباشرة قيمتها 390 مليون دولار، بدون أخذ القيمة الأساسية التي نقلت للشركة بعد انفصالها عن مكتوب، وبدون الأخذ بالإعتبار القيمة الزمنية للنقد، وبدون أخذ السمعة والمكانة في السوق، تكون الشركة قد حققت بين 1.49 و 1.92 مضاعف. وهو رقم منخفض جداً للمشاريع الناشئة.

طبعاً ونظراً لدخول نون على خط المنافسة، فإن سوق.كوم أصبحت في موقف أصعب مما سبق. خصوصاً ومع توسع عمليات سوق.كوم ودخولها في مجالات متعددة يجعل من عملية ضبط العمليات وتحسين جودة الخدمة عملية صعبة جداً. على عكس نون التي ستبدأ ولديها سجل واضح بالأخطاء والمشاكل المتوقعة التي بالإمكان تصميم النظام مبكراً لتفاديها. التخارج في هذه المرحلة كان صعباً جداً، ولكن قدرة الفريق على إدارة العملية والتخارج بشكل مشرف يحسب لهم.

ما الذي سيتغير، أتوقع أن لا يتغير شي في القريب، أمازون ستبقي على سوق.كوم كما هي مع الإنتظار لحين إطلاق نون. وبناءاً على مستوى خدمات نون وتأثيره على مبيعات سوق.كوم ستحدد أمازون الخطوة القادمة. شخصياً كنت أتمنى لو كان سوق.كوم مملوكاً لمستثمرين محليين، ويبقى هو منصة منافسة لأمازون أو غيرها من المنصات العالمية التي تحاول اختراق السوق الخليجي والمصري.

أتوقع أنه كما عانت ياهو سابقاً في المنتديات فإن أمازون أيضاً ستعاني في إدارة بضائع العارضين لمنع المقلد منها.

وماذا بعد!

تجربة سوق.كوم تجربة فريدة ومهمة، فبداية هي تشكل نقلة نوعية حراك ريادة الأعمال والمشاريع التقنية. على الرغم من وجود عدة قصص تخارج رائعة كمكتوب، وطلبات، وهنقرستيشن. إلا أني أؤمن بأن الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه التجربة تفوق تلك بمراحل عديدة. سأحاول تلخيص أهم ما لدي الآن ولعلي أعود لاحقاً للإضافة، وبكل تأكيد سأسعد بالإطلاع على تعليقاتكم سواء الموافقة، المعارضة، أو التي تلخص فوائد لم اسجلها.

  1. أهمية التشبيك وبناء العلاقات للمدى البعيد. سوق.كوم استفادت كثيراً من علاقاتها مع أرامكس والعكس كذلك. أيضاً لا ننسى الدور الرئيسي الذي لعبه المستثمر الرئيسي لسوق.كوم تايغر، الذي واصل العمل مع سوق.كوم بعد تخارجه من مكتوب، حتى أوصله لإستحواذ أمازون.
  2. الحس التجاري أهم من البحث عن الكمال. لي تجارب شخصية أو للأقرباء مع سوق.كوم قديمة وجديدة، لا استطيع القول عنها بأنها جيدة. طبعاً الأمور في تحس دائم، وبعض المشاكل خارج نطاق سيطرة سوق.كوم مثل الدفعات، أو الشحن، أو البضائع التي تشترى من البائعين المستقلين. ولكن الدرس هنا أنه في حالات كثيرة تحديد احتياج العميل والإنطلاق لتفيذ العمل مع التعديل والتصحيح والتحسين المستمر، أفضل من الإنتظار.
  3. عندما تصل شركتك لمرحلة من النضوج، قد يكون الأفضل التوسع من خلال الإستثمار في مشاريع ناشئة أو الإستحواذ عليها، بدل محاولة بناءها من الصفر ضمن المنظومة.
  4. الإفصاح عن المعلومات الداخلية للشركة من خلال الحديث مع الإعلام عنصر مساعد ومهم، ولكن من المهم التعامل معه بذكاء وحسب الحاجة. فكلما افصحت عن معلومات أقل كلما كان لديك حماية ضد الانكشاف للمنافسين.
  5. كما أن البدء بالوقت الصحيح مهم حتى وإن لم يبلغ المنتج حد الكمال، فإن التوقف في الوقت الصحيح أيضاً مهم حتى وإن لم يتم تحقيق كافة الأهداف.
  6. اخيراً، مع دخول اكتمال الثلاثي: أمازون، نون، سوق.كوم. أتوقع أن سوق منصات البيع في المنطقة اصبح مكتضاً خصوصاً لو أخذنا في الحسبان نمشي ووادي. بالتالي قد لا يكون من الملائم التفكير في الدخول ومنافستهم. لكن مع وجود هؤلاء اللاعبين الكبار، أتوقع أن منصات البيع المتخصصة ستنتعش وستكون فرصة ممتازة لبناءها ومن ثم التخارج من خلال بيعها على أحدهم.

مستقبل قطاع التجارة الإلكترونية العربي:

هذه محاولة لاستقراء المستقبل لما بعد صفقة الاستحواذ فيما يتعلق بقطاع التجارة الإلكترونية.

قطاع التجزئة التقليدي:

خلال العشرين سنة الماضية مر قطاع التجزئة في منطقة السعودية بمرحلتين انتقاليتين. المرحلة الأولى كانت في بداية الألفية، وفيها بدأ نجم محلات الهايبر بالظهور، كمكتبة جرير، إكسترا، ساكو، وبندة. ودعوني استذكر معكم ما الذي تغير حينها. مثلاً لشراء أجهزة المنزل (غسالة، نشافة، ثلاجة، مكيف، تلفزيون) كان المشتري يضطر لزيارة عدة محلات في مناطق مختلفة من المدينة، لمقارنة الأسعار، ثم الإتفاق مع كل محل على حده. إذا كان محظوظاً فإن المحلات ستوفر له خدمة التوصيل والتركيب، وإلا فعليه البحث عن ناقل ومقدم لخدمة التركيب. الأمر سيان مع شراء الأدوات المكتبية والقرطاسية، وكذلك لمستلزمات المنزل من الأطعمة والمنظفات.

جاءت الهايبر لحل هذه الإشكالية من خلال توفير كل شيء في مكان واحد. آلية عمل هذه المحلات معقدة، وتعتمد بشكل كبير على الفعالية في إدارة رأس المال وضبط دورة النقد. بدون الدخول في التفاصيل، يتم افتتاح الهايبر في موقع رخيص (لبعده عن مركز المدينة، لإستثماره لفترات طويله، أو لكونه جزء من عقار مملوك لصاحب الهايبر). في الغالب لا يملك صاحب الهايبر معظم البضاعة المعروضة، بل تكون على التصريف أو معروضة حسب اتفاقية مشابهة. يحصل الهايبر على عمولة مباشرة من بيع البضائع، رسوم على العقد كإضافة الأصناف أو تعديل الأسعار، ورسوم تسويقية كتلك المرتبطة بمكان عرض البضائع أو الإعلان عنها في المنشورات التسويقية، وأيضاً رسوم للخدمات المقدمة للعميل كالتوصيل والتركيب. بالإضافة لما سبق، ولكون عملية شراء تلك البضائع يكون نقداً وسدادها حسب معظم العقود والتي في الغالب تكون خلال فترات ثابتة (كل 30 أو 60 يوم أو أكثر) يتمتع الهايبر بتدفق نقدي موجب. أي أنها تحصل قيمة البضائع المباعة اليوم نقداً، وتستحق للسداد بعد شهر أو شهرين.

بالتالي كان لإفتتاح محلات الهايبر التأثيرات التالية:

  • أصحاب الوكالات والمستوردين الكبار استفادوا من خلال تقليص تكلفة التوسع وافتتاح فروع ومستودعات في المناطق للوصول للعملاء، واكتفوا بمعارض ومستودعات رئيسية للبيع الجملة وأما معظم بيع تجزئة فكان من خلال محلات الهايبر. أيضاً، ولأن الهايبر تخدم عامة الزبائن، أصبحت طلباتها من الوكالات مركزة على البضائع التي تخدم تلك الشريحة، وبالتالي أصبح الوصول إلى البضائع المتخصصة أصعب.
  • أصحاب المحلات الصغيرة والموزعين تقلصت الحاجة لهم، وأغلق من كان بيع التجزئة مصدره الرئيسي للدخل خصوصاً الواقعين في المدن الرئيسية (التي تتواجد فيها محلات الهايبر). إلا بالطبع من تخصص في خدمة شريحة محددة من العملاء (مثلاً، محلات الزامل للقرطاسية في المنطقة الشرقية توفر أدوات لمحترفي الأشغال اليدوية لا تجدها في جرير).
  • عامة الزبائن استفادوا من الراحة في تلبية كافة الإحتياجات من مكان واحد، والمقارنة بين الأسعار، والتوفير في بعض الأحيان. أما الزبائن المتطلبين فقدوا التنوع والوصول إلى الخدمات أو المنتجات المتخصصة التي كان بإمكانهم الوصول لها مسبقاً.

تمتع أصحاب الهايبر بتوسع سريع وضخم خلال العشر سنوات الأولى. حتى غزت الإنترنت والتجارة الإلكترونية العالم والمنطقة، وبدأ شكل التجارة يتغير! أو بمعنى آخر طفرة الهايبر بدأت بالإنحدار. الإشكالية أن الهايبر لم يتعاملوا بالشكل الصحيح مع الإنحدار وواصلو التوسع الأمر الذي انعكس في النهاية على مداخيل الشركات.

التجارة الإلكترونية:

لاحظنا أن قطاع الهايبر حل مشكلة توزع المنتجات والوصول إليها. ولكن النموذج ككل مبني على الفعالية وسرعة حركة المنتج. بالتالي كما وضح مسبقاً، تضرر من هذا النموذج العملاء المتطلبين، الذين يرغبون بنوع القهوة الذي لا يشربه هم وخمسة غيرهم في المدينة، أو خلاط العجين النصف احترافي. في النهاية الهايبر توفر البضائع التي يطلبها عامة الناس، والتي في الغالب لن تجلس على الرف لمدة شهر حتى يأتي زبون واحد لشراءها.

التجارة الإلكترونية حلت هذه المشكلة بحيث جعلت الوصول للمنتجات المتخصصة أسهل كون هذه المنتجات تستهدف شريحة أوسع (بدل استهداف عملاء من حي واحد، أصبح المستهدف عملاء من مدينة، منطقة أو حتى دولة.. أو العالم). ولكن التجارة الإلكترونية ليست على مستوى واحد بل على عدة مستويات، وسأوضح أدناه كل مستوى والمميزات التي يتمتع بها:

  1. الهواة، هذه الشريحة هي شريحة التجار تحت الإعداد. لديهم هواية أو شغف، أو معرفة بشيء ما. ونظراً لإطلاعهم ومعرفتهم أو علاقتهم فإنهم يستطيعون الوصول إلى منتجات يصعب على غيرهم الوصول إليها أو يصعب الحصول عليها بسعر منافس. يقومون بإستخدام الإنترنت لطلب كميات بسيطة، أو بناء على طلب مسبق من عميل عبر الإنترنت، بالتالي تكون تكاليف التخزين، التالف، والتنفيذ قليلة جداً. أضف إلى ذلك أنهم وكونهم هواة قد لا يدفعون رسوم تسجيل شركة، إستئجار موقع، أو تعيين موظفين. لذلك على هذا المستوى يتمكنون من منافسة الوكلاء والمحلات التقليدية. وفي الغالب هؤلاء لا يملكون سوق مستقل بل يستخدمون منصات بيع عامة كحراج، سوق.كوم، إنستقرام.
  2. المحترفين، هؤلاء تجار تجزئة لديهم مستودعات واقعية ولكنهم يستخدمون الإنترنت كقناة بيع رئيسية. عملية البيع لديهم مستمرة، ولأنهم يعملون تحت اسم تجاري، العلاقة مع العملاء جداً مهمة وأساسية. بالتالي يفقد هؤلاء المرونة التي يتمتع بها الهواة، فهم على خط منافسة دائم مع الأسواق الإلكترونية والأسواق التقليدية. لديهم مصاريف للمستودعات والتخزين، الشحن، التسويق، علاقات العملاء، التالف وغيرها. طبعاً الإنترنت وفرت لهم وصول لشريحة أكبر وبالتالي يمكنهم الإستفادة من اقتصاد السعة (Economies of scale). بمعنى أن التاجر التقليدي يحتاج لمستودع ومحل في كل من الدمام، الرياض وجدة ليغطي تلك المدن، بينما التاجر الإلكتروني من خلال موقع الكتروني ومستودع واحد يتمكن من تغطية الخليج كله.

ماسبق يبدو جميلاً، ولكن هناك معضلة. المشكلة الأساسية في نموذج التجارة الإلكترونية أن مع دخول العميل لبحر التسوق عبر الإنترنت، لا يحده المكان وتصبح أمامه خيارات متعددة جداً. في الغالب (وحسب المنتج) ما يحكم هو: السعر، جودة المنتج، سرعة التنفيذ، تقييم العملاء، سهولة عملية الإستبدال، مكافأة الولاء، وسهولة التصفح وإتمام عملية الشراء. بالتالي وعلى الرغم من أن التاجر الإلكتروني وفر بعض مصاريف التاجر التقليدي، إلا أن هناك قائمة من المصاريف الجديدة التي يتوجب انفاقها لتحقيق التميز. لاحظ أن السعر، الجودة، السرعة يمكن للهواة تغطيتها، بينما بقية النقاط تحتاج لإستثمار هائل لبناءها والمحافظة عليها، مع الأخذ بالإعتبار أنها سمة أساسية للتجار التقليديين. وهذه برأيي مشكلة التجارة الإلكترونية للمحترفين. تحتاج لأن يكون حجمك كبير ليصبح الإستثمار في تطوير متطلبات العملاء مجدياً.

عالم ما بعد إستحواذ أمازون وإطلاق نون!

بداية من الضروري معرفة القاعدة التي ينطلق منها كل من أمازون ونون. أمازون تنطلق من خبرتها في السوق العالمي ووجود بنى تحتية قوية، بإعتقادي أنها ومن خلال استحواذها على سوق.كوم فإنها قد حصلت على: بيانات ومعلومات جيدة عن السوق من خلال سوق.كوم وبايفورت، وشبكة توزيع لوجستيه. شخصياً لا أتوقع دخولها قريباً بإسم أمازون الشرق الأوسط، ولكنها ستترك سوق.كوم تعمل كما هي لتكمل دراسة السوق والحركة القادمة لنون. ولكن قد تقرر استباق دخول نون، بالتالي سيكون أمامها عدة إشكاليات سبق ذكرها في مقالي السابق (تحسين الخدمة، وضمان التخلص من التقليد والبضاعة الرديئة)، وهذا قد يتطلب التركيز وإقفال بعض أقسام سوق.كوم كالبقالة.

في المقابل، نون إلى الآن لم يطلق ولكن حسب التصريحات المتداولة أنه سيدخل للمنافسة بشكل رئيسي في قطاع الملبوسات والإكسسورات، وسينافس على مستوى عالمي. إن صحت هذه الأخبار، ففي إعتقادي أنها خطوة في الطريق الصحيح. أمازون تتميز في قطاعات عديدة ولكن الملبوسات ليس أحدها. ولا شك سواء أكانت المنافسة مع سوق.كوم أو مع أمازون مباشرة، فإن نون ستبدأ السباق متأخرة، وسيكون عليها التركيز والتركيز والتركيز على منطلق القوة الخاص بها. والإستثمار بشكل رئيسي في تحسين الخدمة وجودة الموقع، وخدمة العملاء. أما إضافة الأصناف الأخرى (المنتجات التقنية، الأجهزة الكهربائية وغيرها) فيكون من خلال الإستحواذ، أو الإستثمار المبكر لمنع سوق.كوم/أمازون من الوصول إليهم.

بالنسبة لأصحاب المشاريع، فإنه من المهم التخصص، أعتقد أن الواقع يقول بأن الحرب على تسيد سوق الشرق الأوسط قد تحدد أطرافها، ولا مساحة لطرف ثالث حالياً. ولكن يبقى أن مساحة للأسلحة التي تستخدم في تلك الحرب وهي الأسواق الإلكترونية المتخصصة. شخصياً لا أراهن على سوق الملابس أو الأجهزة الكهربائية، ولكن أي سوق متخصص آخر يخدم شريحة حجمها جيد على مستوى الشرق الأوسط أتوقع أنه سيكون هدف للإستحواذ من أحد الطرفين. أيضاً شركات خدمات الدعم على الأرض المتخصصة أيضاً قد تكون هدف سواء للإستحواذ أو للشراكات.

أما بالنسبة لمحلات الهايبر، فالمتوقع بعد أن يصحوا من الغفلة، أن يبدأوا بتقليص تواجدهم على الأرض، وتضخيم تواجدهم في الإنترنت وذلك بالإستحواذ على أذرع/شركات تقنية تعمل بأسماء مختلفة (لتفادي مشكلة اختلاف الأسعار والعروض) ليخترقوا سوق الإنترنت ويستفيدوا من الميزات المتوفرة لديهم في الشركة الأم. وهذا ما حصل مع والمارت في الولايات المتحدة.

هذا رأيي والذي أعتقد أنه مبكر ومتحمس بعض الشيء، أتوقع أن تتضح الأمور خلال الست أشهر القادمة مع إطلاق نون، وإتضاح خطوة أمازون مع سوق.كوم القادمة.

شارك المقال