حرب الأسعار

2022/05/12

مطاعم البيتزا

مقال نشرته في تاريخ 5-9-2015

في الأسابيع الماضية، تكرر على مسمعي وعبر شبكات التواصل، عرض دومينوز بيتزا والذي كان بتخفيض أسعار البيتزا الصغيرة والوسط والكبيرة إلى ١٠، ٢٠، ٣٠ ريال، وذلك لمطابقة أسعار بيتزا مايسترو. بيتزا مايسترو وهي حسب ما ذكر لي، مشروع سعودي وليس فرانشايز. البعض عد تعديل دومينوز انتصاراً لمايسترو في جولة من حرب الأسعار. حرب الأسعار ليست حادثة جديدة فهناك حوادث في السعودية والعالم لحروب وقعت وانتهت وأخرى لا تزال رحاها تدور. في هذا المقال سأحاول مناقشة مفهوم حرب الأسعار وسأطرح رأيي في حادثة مايسترو ودومينوز.

التعريف بحرب الأسعار:

في الإقتصاد يطلق مصطلح (حرب الأسعار - Price War) على الحالة التنافسية العالية التي تكون في أحد قطاعات السوق، والتي يصحبها تخفيض في أسعار مبيعات القطاع. ويتم ذلك عادة بتخفيض أحد قادة السوق للأسعار، ويتبعه المنافسون. والذين قد يقومون بذات الأمر (تخفيض الأسعار) لتواصل الأسعار هبوطها.

حرب الأسعار بحد ذاتها لا تعد مخالفة للقانون، ولكن في الغالب يصاحبها (التسعير الإفتراسي - Predatory Pricing) والذي يقصد به أن يقوم منتج أو مصنع بتحديد أسعار البيع لتكون مساوية لمتوسط التكلفة أو أقل منه الأمر الذي يمنع أو يحد من دخول المنافسين للسوق. وهذا يعد مخالفة لقانون حماية التنافسية. الشركات تقوم بذلك بقصد طرد المنافسين أو منعهم من دخول السوق، بقصد السيطرة ورفع الأسعار مستقبلاً.

تتحارب الشركات بالأسعار بشكل دائم، ولكن معظم هذه الحروب لا تتعدى المناوشات الموسمية. تقرأ هنا عن إعلان تخفيضات لأحد أندية الصحة، وترى بعدها تخفيض مشابه من ناد آخر. وكذلك شركات الإتصالات. ولكن نادراً ما يحصل إنخفاض طويل الأمد أو تثبيت لأسعار بنسب تتجاوز ٤٠ و ٥٠٪، دون مبررات واضحة. فهذا الإنخفاض لابد أن يأتي من مصدر ما، تخفيض في تكلفة المواد، تحديث في تكنولوجيا التصنيع أو غيرها.. أما إن لم يكن هناك مبرر، فهذه ٤٠ أو ٥٠٪ ستأتي من جودة المنتج أو الخدمة، أو من أرباح التاجر.

حروب أسعار شهيرة:
  • في تسعينات القرن الماضي، وقعت حرب بين شركتي التدخين فيليب موريس وبات بقصد السيطرة على سوق السجائر في أمريكا الجنوبية.
  • في مطلع الألفية الجارية، ونظراً للفائض في الإنتاج حسب التقارير الصحفية، وقعت حرب ضروس بين مصنعي الحليب ومشتقاته في السعودية والتي أدت إلى خفض أسعار المنتجات إلى حوالي ٤٠٪.
  • في أستراليا وخلال السنة الماضية، وقعت حرب بين دومينوز بيتزا وبيتزا هت. انتهت برفع الفرانشايزيي المستأجرين لمحلات بيتزا هت قضية ضد بيتزا هت، بسبب تضررهم من حرب الأخيرة مع دومينوز، الأمر الذي جعلهم يخسرون محلاتهم.
  • في السعودية أخيراً، قامت دومينوز بيتزا بتخفيض أسعارها للبيتزا، بعد دخول مايسترو بأسعار جديدة واكتساحه للسوق.

ما الذي يشعل حرب الأسعار؟

يشكل السوق التنافسي او شبه التنافسي، والبضائع أو المنتجات المتشابهة، بيئة خصبة لنشوب حروب الأسعار. المتنافسين يتنافسون لكسب الزبائن ولكون البضائع متشابهة، فأسهل ما يمكن استخدامه هو الأسعار. خصوصاً وأن معظم مدراء المبيعات وقليلي الخبرة يرون في تخفيض الأسعار الحل الأسهل، سواءً كبداية، أو كإجابة لتخفيض منافس لأسعاره. أضف لذلك أن النظرة القاصرة في معرفة التكاليف الفعلية للمنتجات، قد تجعل البائع أو المستثمر جديد يؤمن بأن بعض المنتجات تباع بأسعار مبالغ بها، فيقوم بوضع سعر منخفض جداً مما يشعل الحرب في القطاع.

حرب الأسعار والمستهلك:

للوهلة الأولى وعلى المدى القصير، الرابح الأكبر في هذه الحرب هو المستهلك. فهو يحصل على بضاعة بسعر منافس جداً وذلك على حساب الشركات المتحاربة. والخاسر الأكبر بطبيعة الحال الشركات والمستثمرين فيها.

أما على المدى البعيد، فالصورة تعكس. تربح الشركات الضخمة، ويخسر صغار المستثمرين الغير قادرين على المنافسة وتوزع حصتهم على الشركات المنتصرة. المستهلك قد يخسر أيضاً في حالة خروج صغار المستثمرين وحصر منافسة القطاع بين قلة قليلة تتحكم بالأسعار.

كيفية التعامل مع حرب الأسعار:

في مقال نشر في مجلة هارفرد بزنس ريفو، تم تلخيص طريقة التعامل مع حرب الأسعار في ثلاث آليات:

1. ايقاف الحرب قبل أن تبدأ: كالحروب التقليدية، تفاديها أفضل من دخولها، فلا يوجد ما يضمن تغلب أي طرف على الآخر. مهما تكن قوة أحد الأطراف، وثقته في نفسه، ستكون عناصر مخفية لا ترى في البداية، وقد تكون هي ما يحسم الحرب في النهاية. لتفادي نشوب الحرب، يفترض أن تكون هناك شفافية في السوق، بحيث تكون استراتيجية التسعير واضحة بين المتنافسين. والمتنافسين الذين يتنافسون في قطاع واحد من السوق، من المفترض أن يكونوا في مستوى متقارب من الأسعار. كما أن الإعلان للتخفيضات، والوضوح في كون المنافسة ستكون على جودة المنتج وخدمة ما بعد البيع، ولكنها لن تكون في الأسعار الأصلية للمنتجات. لماذا؟ لأن تخفيض الأسعار دون مبرر واضح يوصل رسالة للمستهلك بأن الجودة في المنتج والخدمة تغيرت. وبالتالي سيكون هناك تغيير في نوعية العملاء وعددهم والمتوقع منهم. وهذا أمر قد يبعد العملاء الأصليين عن المنتج.

مثال: صانع المخبوزات المجمده (سارا لي)، لديها تقنيات ووصفات تجعل من تكاليف التصنيع لا تقارن بالمنافسين، وبالتالي لديها قدرة على تخفيض أسعار البيع المنتجات بنسب عالية جداً، لا يستطيع معها المنافسين التنافس مع (سارا لي). لكنها تؤثر الإبقاء على الأسعار في المستويات العالية وتعويض العملاء بالخدمات، هنا المنافسين يشعرون بالتهديد ويتفادون أية تلاعب بالأسعار لأنهم يعلمون بأنهم لو استثاروا (سارا لي) فإنها قادرة على سحقهم بكل سهولة.

2. الرد بدون تعديل الأسعار: في حالة صدور إعلان للحرب من قبل منافس، فإن التاجر النبيه يستطيع مواجهة الهجمة بدبلوماسية (إن صح التعبير)، دون أن يكون هناك إعلان مضاد ودخول الحرب. كيف ذلك؟ التركيز على الجودة والمحافظة عليها. التأكيد وتثقيف العملاء بأن عدم الإنخفاض مصدره المحافظة على جودة وعدم رغبة البائع ببيع بضاعة سيئة أو ذات جودة أقل مما يستحقه العملاء.

مثال: تأكيد ماكدونالدز الدائم على استخدامها لمواد عضوية وصحية، ودعمها لصغار المزارعين. وهذه تجدونها على كل علبة برجر وفي المطويات بجوار الكاشير. أيضاً، الناقل فيدكس ابقى على أسعاره عالية، ولكنه دائماً ما يوكد ويعد عملائه بأن البضائع ستصل إلى هدفها في الوقت المحدد بكل تأكيد، ودائماً ما يفيون بوعودهم.

3. الرد مع تعديل الإسعار: إن لم يكن هناك بديل لدخول الحرب، فإنه من المفضل أن لا يكون ذلك بمواجهة مباشرة بتعديل الأسعار. فالشركات تستطيع في البداية توفير خصومات، بيع باقة منتجات بسعر مخفض، توفير بطاقات عضوية وإعطاء العملاء مميزات وتخفيضات إضافية، أو توفير منتج إضافي بديل لينافس منتج الشركة المنافسة المخفض، وغيرها من استراتيجيات التسويق. وفقط في حالة عدم إمكانية الإستراتيجيات السابقة، فلا خيار للشركة إلا لدخول الحرب.

مثال: معظم الإستراتيجيات السابقة واضحة والأمثلة عليها كثيرة. قد يكون من المناسب الإشارة إلى مثال قريب عهد ومعظمنا عايشه، وهو يتعلق بإستراتيجية توفير منتج إضافي لينافس في السوق المنافس. وهو ماحدث عندما ضاقت شركة (أبل) من منافسة (سامسونج) لها، كون الأخيرة توفر عدد كبير من الأجهزة بأسعار متفاوته، والمنافس الرئيسي للأيفون كان الجاكسي، والفرق في السعر بينهم يقارب الألف ريال. لو كانت (أبل) ترغب بإشعال الحرب لقامت بتخفيض سعر الأيفون، والذي لو تم لكان من المتواقع أن يقابل بتخفيض من سامسونج.. وهكذا. لكن الذي تم أن أبل قامت بتوفير جهاز أيفون C، والذي لا أعتقد أن تكلفته تختلف كثيراً عن تكلفة الرئيسي. ولكن أبل لا ترغب بإرسال رسالة بأن الأسعار قابلة للتعديل، بل أنها وفرت جهاز أقل جودة حسياً، ومعه نفس خدمات بعد البيع.

سيناريو افتراضي بديل؟

في هذه الفقرة سأحاول وضع سيناريو بديل لتصرف مطم مايسترو ودومينوز. ويجب التنوية بأنه لا علاقة لي بأحد الطرفين، ولا يزال الكثير من تفاصيل الموضوع غير واضحة لدي بالتالي قد تكون رؤيتي قاصرة.

مايسترو:

  • قبل افتتاح الفرع الأول، ووقت عمل دراسة الجدوى الإقتصادية، كان من المفترض تحديد وتوقع الموقع الذي سيعمل فيه المشروع والمنافسين. الدخول القوي أشبه بالتلويح بعلم أحمر لثور هائج. وقد يتسبب بإشعال حرب أسعار كما هو حاصل الآن.
  • في السوق التنافسي أأمن طريقة للدخول هي بأخذ سعر السوق، ومحاولة التميز بالجودة والخدمة. وحتى إن كان لدى الشركة ميزة تنافسية تجعل تكاليفها أقل بكثير من المنافسين، لا ينصح بإستثارة المنافسين في حرب اسعار خصوصاً.
  • مايسترو دخلت السوق وقدمت وعود كثيرة، منها وعد ٣٠ دقيقة أو البيتزا مجاناً، خط خدمة العملاء، والتوصيل. دخولها في حرب أسعار، مع وجود هذه الوعود وتوقعات الزبائن العالية جداً، سيكون خطيراً جداً. فما على المنافس إلا الإنتظار لحين كسر أحد هذه الوعود ليستخدمه كعذر لإبقاء أسعاره عالية. ففي النهاية العميل يبحث عن الخدمة، وفي حالة عدم وصولها حسب توقعه، لا يهمه كم دفع وكم كان سيوفر.
  • مع مستوى هذه الأسعار، مايسترو لا يستثير المنافسين في قطاع البيتزا فقط، بل جميع رواد المطاعم السريعة. مثلاً، بدل شرائك لوجبتين لشخصين من ماكدونالدز ب ٣٥ ريال، يمكنك الحصول على بيتزا كبيرة مع مشروب يكفي ثلاثة أشخاص. هذه منافسة غير مباشرة، ولكنها لو استمرت فإنها قد تفتح على مايسترو جبهة أخرى.

دومينوز بيتزا:

  • مع دخول المنافس الجديد، وقرعه لطبول حرب الأسعار، كان من المفترض أن لا ينجر دومينوز للمواجهة. خصوصاً، وأنه بفعله هذا أعطى دعاية مجانية للمنافس. ومع معرفته بأنه فرانشايز من خارج السعودية، فالمفترض أنه يعلم المواجهة مع منافس محلي قد يعني تعاطف شعبي مع المنتج المحلي ضده.
  • تغذية العملاء بمبررات ابقاء الأسعار مرتفعة، مع زيادة عدد أيام العروض والتخفيضات. بالإمكان النزول إلى نفس مستوى أسعار المنافس دون تعديل السعر، على سبيل المثال، تخصيص نوع بيتزا لكل يوم من أيام الأسبوع ليباع ذلك النوع بسعر مخفض جداً.
  • تحسين خدمة التوصيل، وخدمة العملاء. بزيادة التعيينات وإعادة هيكلة طريقة الطلب عبر الهاتف مثلاً.
  • توفير بدائل (منتجات) كما فعلت بيتزا هت، لتباع بسعر مقارب من سعر بيتزا المنافس.

شارك المقال